جبرانيات

جبرانيات

الجمعة، 21 أغسطس 2020

وأنتهى المشوار .!!

   وأنتهى المشوار .!! 

بين ظلال التلال 
وانغام نسيم عطرها
رقصت اهداب الحمام 
وترنحت زهرات الياسمين
وامتلأ شوق الحب
من رحيق شفتيها 
فاغتسلت حبات رمل البحر
بسحر العيون 
واتمزجت دقات قلبينا معاً
فاصدرت حنينا صاغ 
من آهاتنا شوقاً
إذاب جسدينا بحبٍ مجنون 
فالتحفت بالبحر مآقينا 
وانتهت أحلامنا بين الجفون
فلم تفق إلا بعد ان سكبت 
على شواطئها كل الشُجون
 فبكت النوارس حزناً
وازدادت الأوجاع الماً
بعد أن التفّت اوردتنا عشقاً
فزالت أسامينا 
فما كان من خطوط الشمس بُداً
الا ان تغزل لعقارب الساعة نهاية لكلينا 
وحينها ساد على الكون السكون .

الجمعة، 14 أغسطس 2020

قبل الرحيل



فكان مني بعض الرجاء منها تقربا 

بعد ان غدا الفراق بيننا سبيلا 

فأبت ان ترحل دون عناقي

إستثكاراً لعطر الود النبيلا .



آخر لقاء في زمن كورونا

.                    قصة قصيرة من زمن الكورونا..


 آخر لقاء في زمن الكورونا 

.


   فنجان قهوتي العربية شارف على نهايته بعد ان ارتشفت آخر ما يحلو لي ارتشافه من كل فناجين قهوتي مستطعماً مرارتها ذات المذاق الخاص .


وانا رافع الفنجان إلى أعلى في آخر رشفة ، يشد انتباهي باب الكافتريا وهو يُفتح ليدخل من خلاله رجل وقور في عقده الخامس من عمره حسب تقديري، بشعره الأشيب الذي يحدد صلعه من مقدمة الرأس إلى نهاية أعلى الجمجمة ، بلحية بيضاء ونظارات طبية وهندام محترم ، ببدلته السوداء وربطه عنق بلونها الأزرق الداكن، ذات النقط الصغيرة البيضاء، يحمل مظله مطرية تقيه زخات المطر المتقطعة في ذلك اليوم الغائم والممطر من منتصف تموز.


    وقف لحظة بعد ان تجاوز الباب ببضع خطوات داخل الكافتريا ليغلق مظلته وعيناه تتجول على كل طاولة من طاولات الكافتريا كأنه على موعد مع أحدهم يجلس في انتظاره .

    وبإتسامة عريضه تقدم باتجاهي حتى ظننت أن احد اصدقائه أو معارفه جالس خلفي رغم اني كنت قد اتخذت مقعدا بمحاذات الجدار الخشبي اجلس وحيدا على ذلك الكرسي المصنوع من الالمنيوم ذو المقعد الاسفنجي بلونه البُني الداكن، وخلفي مباشرةً بوفيه الكافتريا بعاملته الشقراء ذات الكاب الأحمر والظفائر الذهبية الطويله التي كانت تصل الى منتصف ضهرها والتي يكاد جمالها ينقط عسلا على تلك القهوة المُرّة .


     كلما كان يقترب كانت ابتسامته تزداد عرضاً ووجهه يزداد بشاشةً ، بدأت أشعر بقسوة ملامح وجهي ، مقابل خفة دمه وبشاشته مستغرباً من تصرف هذا الرجل الذي لا أعرفه ولا اظنه يعرفني ليجلس بجانبي قائلاً لي ، ألَسْتَ فلان ؟ أرد عليه بابتسامة مصطنعة اسف اخي انت تشتبه بي فأنا لست ذاك الرجل الذي تبحث عنه .

    يعتذر ثم ينصرف ، فقد حدث ذلك معي مراراً وتكراراً،  فبعضها صاب و آخر خاب.


يمد يده لي مصافحاً بكل احترام والأبتسامة لم تفارق وجهه .


هلو اسطيفان .. كيف الحال؟ ، وياخذني بالأحضان ، كالذي يظم اخوه أو ابنه الذي أشتاق له لعقود 

كان برودي واضحاً حين مددت يدي له مصافحاً ومعانقاً، لأنني لازلت لم اتعرف عليه .


أهلاً وسهلاً تفضل استريح ، قلتها على مضض.


جلس بكل فرح وسرور ثم بادر بالقول . (الظاهر ما عرفتني) ؟ واضاف قائلا بمزحة ، بالتأكيد لن تعرفني بعد أن اخذ الكِبَرْ منك مأخذاً ، أما أنا فقد عرفتك من نظرتي الأولى، لأنه لم يتغير فيك الكثير سوى بياض شعرك.


بايمائة من راسي وضم شفتاي على بعضهما وعاقداً حاجباي قلت : وكيف عرفتني بهذه السرعة ؟ وانا بلا صُغراً بك ، لم اتعرف على جنابكم الكريم ؟.


وبقهقهه ضمها بداخله ليهتز كل بدنه دون صوت ويعيدا نظارته بسبابته اليمنى إلى أعلى انفه قال .. لا يارجل كيف لا أعرف من صفع أستاذ مصطفى بكف في قاعة الامتحانات النهائية لمرحله الرابع عام ؟؟, في اعدادية الحكمة ؟


قلت والله يا اخي يبدو انك تعرفني حقا أما أنا قد يكون وجهك مألوف لدي ، لكني لا أعرف من تكون بالتحديد ،فأرجو المعذره.


قال : أنا رائد صديقك في الأعدادية . الا تتذكرني؟ .


  في اعدادية الحكمة بالموصل؟؟  قلت متساءلاً .


     قال : نعم اعدادية الحكمة في المنصور .


  فكانت ردة فعلي أن اقف أمامه هذه المرة لأخذه بالأحظان وعناق شديد غير مصدق بأنني سالتقي به يوماً في هذا المكان من العالم،بعد كل هذه السنين من الفراق .


أعادني اللقاء لأكثر من 40 عاما خلت وإلى سبعينات القرن الماضي وإلى شقاوة المدرسة بأيامها التي لاتنسى .

كيف أنسى ذاك الذي كان سندي بمادة الرياضيات التي كانت عقدة حياتي في رحلة تعليمي ، ونحن نبادل أوراقنا خلسةً في الأمتحانات ، لانه كان ذكي في مادة الرياضيات ويكره الشعر والشعراء ، وانا شاطر في اللغة العربية لأنني احفظ الشعر واكتب مواضيع الانشاء بصورة افضل منه لذا كانت درجاتنا متقاربة جداً في هاتين المادتين ، مما جعل منها مصدر شك للاستاذه في تبادل اوراق الامتحانات، و لأننا كنا نجلس متجاورين على مقعد دراسي واحد لسنة دراسية كاملة بعد ان باءت كل محاولات الاساتذه لتفريقنا بالفشل .


ما لايمكن تصديقه هو أن درجاتي عالية دائما في مادة الفيزياء ،فهي الأخرى كانت تعتمد على الرياضيات في اغلب تطبيقات قوانينها ، لكنني لم أكن اتقبل الرياضيات كمادة علمية .

فلولا رائد لما تجاوزت تلك السنة درجة النجاح في الأمتحان النهائي .


نعم فتلك ايامٌ لن تُنسى ولن تتكرر ابداً .


بعد السؤال عن صحة أحدنا الاخر والاطمئنان على بعضنا وبعد ان طلبتُ له فنجان قهوة بسكر زيادة كما يحبها ،رغم انه مصاب بالسُكري ، فهو مؤمن بمقولة (كل ممنوع مرغوب ), تطرقنا إلى ذكريات أيام الصبا في مرحلة الاعدادية وشقاواتنا في تلك المرحلة المليئة بالمشاغبات والقفشات الخفيفة مع الطلبة والاستاذه معاً. 

بعدها تطرقنا لجو ميشيغان البارد شتاءً والممطر اغلب فصول السنة. 

   فقلت : هل تعودت على الجو هنا ؟ 

فقال: نعم 

فقلت وكيف حالك مع الثلج والبرد ؟. 


قال: يارجل( العسكرية) أي الجيش في العراق علمتنا كيف نتاقلم مع كل فصول السنة إينما نتواجد. 


    فقلت: لكنك من أهل الموصل والموصل نادر ما يتساقط فيها الثلج .


    قال: هذا صحيح لكن هناك أحداث خضناها علمتنا كيف نتغلب على ما يستجد من ضروف طارئه في حياتنا حتى وأن كانت مفاجئة .


     قلت : هذا صحيح لكن لا أظن أن الموصل قد اعطتك درسا في كيفية التعامل مع الثلج وهي تكاد ينعدم فيها تساقط الثلج .


     هل عشت في الدول الاسكندنافية فترة علّمَتك الطبيعه هناك قسوة البرد وكيفية التغلب عليها ؟


قال: لا 


قلت : كيف اذاً


حينها قال لي : هل لديك وقت لتسمع ما سأحكيه لك ؟ 


قلت : صحيح أنا هنا لاقضي بعض الوقت لأنني متقاعد ولست مرتبطا بأي موعد أو عمل ، لكن أظن أن الوقت قد تداركنا ، وكما ترى فإن الكافتريا على وشك الاقفال فالوقت متأخر .


فقال.. الحمد لله فالقلوب عند بعضها كما يقال، 

لأني متقاعد أيضا ، كنت هنا لزيارة مؤسسة الجالية الكلدانية لاتمام معاملة( المديكيت) "وهو برنامج ترعاه شركات تأمين خاصة للعلاج المجاني لذوي الدخل المحدود أو للمتقاعدين" ، ومن الظاهر أن مكتبهم مقفل بسبب كورونا ، وبعد أن حاصرتني الأمطار جئت لأمضي وقتاً هنا في هذه الكافتريا التي يعجبني الجلوس فيها بين فترة وأخرى ، حتى تتوقف الامطار وامضي للبيت ، لكن وكما يبدوا أن الوقت مر دون ان ننتبه له 


فقلت :حسنا لنتفق على موعد أخر نلتقي فيه في هذه الكافتريا (palm Sweets) طالما يعجبك الجلوس فيها ونكمل ذكرياتنا الجميلة فالكلام معك له طعم خاص ولا يُمل منه ومنها أستمع إلى قصتك التي بالتأكيد ستكون شيقة . 


قال: حسناً 


ودعنا بعضنا بالعناق بعد ان اتفقنا على أن نلتقي مرة ثانية بموعد حددناه في الأسبوع الذي يليه .


كانت الأمطار متوقفه والسماء كانت تعج بنجومها المتلألأه وكأن تلك الغيوم المشبعة بالبرق والرعد لم تكن هنا منذ قليل.

افترقنا بعد ان تبادلنا أرقام هواتفنا قرب باب السيارة. 


عندما كانت الساعة تقترب من السادسه من مساء يوم الأربعاء 22 من تموز كنت اجلس على نفس المقعد في تلك الكافترياالتي التقيت بها برائد في بلد العم سام لأول مرة .

بدأت عقارب الساعة تتجاوز الخامسه بخمس دقائق ، ثم عشرة ، ثم خمسة عشر دقيقة ، ورائد لم يحظر 

فآثرت ان اتصل به لتذكيره بالموعد عله قد نسي ، فجأئني صوتٌ قائلاً ،أن (( الرقم المطلوب غير متاح حالياً.))


انتظرت مدة 15 دقيقه أخرى تقريباً

واعدت الكرّة بعدها ، لكن الرد كان نفسه ،

توالت المحاولات لمرات عدة لكن دون فائدة ففي كل اتصال كانت الرساله نفسها تتردد .

(الرقم المطلوب غير متاح حالياً ) .

وأنا لا أملك عنه أي معلومة سوى رقم موبايله


مَرَّ ما يقارب 25 يوماً على موعد لقائنا الأول ولازال طنين تلك الرساله في أذني يتردد


حتى رن هاتفي برقم غير معروف 

ليسال ، عفوا هل انت أستاذ اسطيفان؟ .

فقلت : نعم تفظل..

قال : أنا جيمس ابن رائد . 

فقلت أهلا وسهلا بك ولكن ....


قاطعني قائلا: 


كان هناك اكثر من 100مكالمة منك (للمرحوم) والدي في يوم 21 من تموز وما بعده ؟ فانت الوحيد من اصدقائه من يظهر رقمه على شاشه هاتفه منذ ذلك اليوم وإلى اليوم , اقفل الخط بعد إن شعرت أن العبرات قد خنقته .


كم انت لعين يا (كوفيد 19) فبسببك لازال الرقم المطلوب غير متاح .