جبرانيات

جبرانيات

السبت، 9 ديسمبر 2023

ألأعرج




 قصة قصيرة .


الأعرج .!


بدموع غزيرة وبصوت متهدج، الحّ بهاء على والده أن يوافق على مشاركته الرحلة المدرسية لتي ستقيمها مدرستهم إلى منطقة الغابات
رفض والده بشده خوفاً عليه من اهمال المسؤلين على الرحلة ، إلا أن امه اقنعت ابوه أن يشارك ولدهم الوحيد زملاءه في رحلتهم كي لايشعر بنقص ..

وقفت الحافلات أمام باب مدرسة المنصور الابتدائية للبنين ، وبفرح غامر تراكض التلاميذ نحو الحافلات وهم حاملين حقائبهم المحشوه بلفات البيض والبطاطا مع شرائح الخيار والطماطم ، بالإضافة الى تفاحة أو برتقالة مع البسكوت المحلى ، والمدلل، يحضى بإضافة "النستله" الى وجبته .

في الرحلة لم يشارك بهاء زملاءه التلاميذ فعالياتهم أو مسابقاتهم الرياضية .
لم يعِر له أحد أهمية تذكر ، حتى استاذ جاسم لم يلتفت له ليشعره بوجودهِ الطبيعي بين زملاءه
في المساء ، وقبل الوقت المحدد للعودة طلب استاذ جاسم المشرف على الرحلة من التلاميذ التجمع أمامه ،
أجتمعوا وهم متعبين من كثرة الجري واللعب .
و تلافياً لعد التلاميذ أو قراءة أسمائهم
اكتفا بجملته المشهورة و المتداولة حينذاك
كل واحد يتأكد من ان صاحبه معه قبل المغادرة ، كي لا يتغيب احد عن رحلة العودة .

اما( بهاء الأعرج ) لم يكن له صاحب ليبلغ عن غيابه

الخميس، 23 نوفمبر 2023

مهلاً يا وطن




مهلاً يا وطن


دعني احملك معي أينما ذهبت . حتى لو تطلب أن احملك في حقيبتي إلى وقت الممات ،
انت داري وسقفي حتى لو كنت مطعون وجرحك نازف ، ساحاول مداواتك بما املك من صبر وقوة وكرامة ، ومواساتك بكل الامك ،بلا ملامه ، ساضعك في الواجهة ، على مفترق الطرق، ليهتدي إليك كل ضائع ، وكل جائع وكل مثقل بالبضائع ، فأنت اول ناطق، واول كاتب واول صاحب عجائب
أنت السند ، والفكر من تاريخك اتقد ، والعلم فيك وُلد .وكنت للحرف مهد .
ساسهر الليالي كي ادفع عنك البلاوي ، وأستُرك من كل عاوي ، وكل ناقص من الفكر خاوي ، وكل ذليل للعدو ساعي . وكل مَن مِن الكرامة ذاوي ، ومن العلم صاوي .
ساجعلك صافي ، ومنهلا للتعافي.
ساجعل من نخيلك رمزاً ، ومن نهريك مجرىً لدمي ، ومن جبالك منبرأ لكلمتي، ومن سهولك مسرحاً لعروضي ، ومن ترابك ذهباً لأحفادي ، ومن نفطك نهراً ثالثاً ابد الدهر لن ينضبَ .
سيعود الكلدان بعلمهم وعلومهم كما يجب ان يكون . والاشوريون بقوتهم عن حدودك يدافعون . والأرمن بفنونهم يتفننون والعرب بادبهم يبدعون . والكرد بتراثهم يزخرون .
سنجعل من كل عمامة حمامه
ونضع لكل سيد لجامة
ولكل رجل دين علامة
ونجعل ماوى أهل الفساد في القمامة .
اما انت
فسنجعل منك سيدا للاسياد
مرفوع الهامة إلى يوم القيامة.

الاثنين، 13 نوفمبر 2023

الأطلال




           الأطلال....


مررت بالدار  فاذا الأطلال

 تبكي شوقاً على فراق الأحباب 

جاورتها نذرف الدموع  حيناً 

عسى أن تُفتح الأبواب

  

سالت .... متى غادروا ؟

قالوا .... منذ ان غزوا الاوباش الديار  

رحلوا بلا إياب


سألوني.....  من تكون ؟  

قلت ...هل رأيتم 

 أثار الطرق على الباب ؟ 

قالوا ....نعم 

قلت

هذا بعد ان كلَّ متني

 دون أي جواب 


استحلفكم بالله  هذا الدار 

بعد رحيلهم ان لا يسكنه الأغراب 

كي لا يزول عطرهم من الجدران  

ويتشبث بكم العتاب

فلا زلت ارى طيفهم يطفو على الحيطان 

ناثراً ذكرى تذوب لها القلوب وتُسبى الألباب 

 

جلستّ انتظر .... 

هل سيأتي القمر ليسكن شرفاتهم كما كان 

ام غادر هو الآخر بعد ان طال الغياب ؟


 

هل لازالت الطيور في صباحاتها تغرد كآهاتهم 

ام هي الأخرى هجعت ورضت بالغياب ؟


يا ترى  الازال النرجس

كعهده يتراقص على الثغر وعلى  

ألاهداب ؟

وفي كل بسمة أو كلمة عتاب ؟  

وهل لازالت ظلال التوت وافرة 

كما في مواسم الاعناب ؟ 


اسألوا النجوم 

كم بكينا وغنينا وضحكنا 

عند الناصيه

وكم قبله في غفلة 

خطفت على عتبة الباب ؟


عَهْدُنا 

أن نبقى روحاً  بجسدين 

لانفترق  حتى نوارى التراب 


ولازلنا على ذاك العهد 

رغم البعد والعذاب ٠

حتى يصدر القدر أمراً

مختوماً يختم  ربّ الأرباب. 


       وما برحتُ اطرق  واطرق. 

         عسى أن أسمع  جواب ..


Astefan Odisho

الخميس، 12 أكتوبر 2023

عرس بغديدا





   في مواساة اهلنا في قرةقوش
 

كلوبنا وياكم
ونقدر الدمعه اللي اثقلت ممشاكم

هلاهلكم انقلبت إلى نحيب
بعد ان غاب فيها العزيز والحبيب

النار اخذت احبابكم
وبدموع وشموع وتراتيل
ودعتوا اصحابكم
كل ملائكة السما ويارب العز
عزاكم 

كالوا بسبب الشرار اشتعلنا
كلتوا. لا.  لكن بسبب الإرهابيين
اللي ادعوا ا انهم اهلنا
شعلونا وتشفوا بينا
ونسوا أن الله ما ناسينا

بحقد اسود غلّفوا بَسمتهم
وبسهم الغدر داروا فعلتهم

لا  صرخة طفل ..
. لا  لوعة مره ...
.و لاشيبات شيخ
هزت مشاعرهم
لأن  من يوم ما كانوا نطفه
ماتت ضمائرهم

يا تحقيق  تر يدون تسونه
كله بالتلفيق والتزوير
مشيتوها علينا

دم الشهيد علينا  غالي
ما يتعوض
لا بسلوان .. ولا بالف من امثال

ريان الكلداني 


حرمتوا العروسين من
فرحة عمرهم
وخليتوا بمرار ة  تمر
ذكرى عرسهم

يجي يوم وتنالون جزاكم
وكل العراقيين ويا  أهل  بغديدا
يشهدون عذابكم. 



حرمتوا العروسين من
فرحة عمرهم
وخليتوا بمرار ة  تمر
ذكرى عرسهم

يجي يوم وتنالون جزاكم
وكل العراقيين ويا  أهل  بغديدا
يشهدون عذابكم

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

هواجس

         
   

هواجس

حَمِلتُ جُروحي
بسُرعة الحنين 

وسِرتُ وحيداً حيثُ الألم.

فنادت روحي وجعاً 
إلى اين ؟

قلت .... 
نحو  لحدي بعد بؤسي وشقائي
والسقم
من عالمٍ مَحّاحْ  مخادع
يسمُل عينيه عن حقيقةٍ 
يساق  فيها كحمل
بلا  رادع

قالت....  لا 
لا تيأس
دع القاع لأهله وارتقي
فللأمجاد شُهَباً تُلألِؤُها
الهامات والقِيَم
وأنهض من جديد
حاملاً راياتك كالأجداد
ببأسٍ نحو الشمم  .

الثلاثاء، 27 يونيو 2023

انا والطنانة



       اثناء ممارستي  لرياضة المشي , وصلت إحدى الباركات القريبة من داري وهو يصلح ان يكون ممشى او مسار رياضي سواء للمشي او الهرولة او ركوب الدراجات الهوائية , لنقاء جوه وكثرة اشجاره ونباتاته وسواقيه ؟

وبينما كنت متجاوزا إحدى جسوره الخشبية الصغيرة ( قنطرة ) التي تعبر بك ساقية ماء , حتى باحداهن بالقرب مني تقول : ممكن امشي معك ؟ 

لم اجبها أول الأمر ولا بكلمة ولم التفت اليها إطلاقاً و ظناً مني انها احدى الثرثارات المزعجات الطنانات .

 فقط أشرت بيدي كاني أقول لها اذهبي عني فانت مزعجة .

لكنها الحّت بازعاجها وطنطنتها .

فقلت : ماذا تريدين ؟

اجابت : اريد ان اصاحبك واتلذذ  بك

فقلت غير مبالي . ولماذا تريدين ان تتلذذي بي انا بالذات ؟ 

فقالت:  لانك عراقي ودمك خفيف وحلو .!!

فقلت : وما ادراكي بانني عراقي 

قالت: سمار بشرتك غير الوان بقية الاجناس .

فقلت : وهل انت خبيرة بشرة ؟

فقالت : نعم خبيرة بشرة واختصاص جلدية 

فقلت لنفسي مستغربا : ايعقل بأن دكتورة امريكية تلاحقني  وانا اظنها طنانه مزعجة ؟ فالتفت لارى من وكيف تبدو .

و فاذا بها بعوضة قريبة من شحمة اذني .

  فقلت : لا هلا ولا مرحبا , وبكفخة من يدي , ولت هاربة دون ان تتذوق اي قطرة من دمي 😁🤣😁🤣



الجمعة، 9 يونيو 2023

على بحيرة ( فانيرن )




 

    على بحيرة فانرين .

.احداث  القصة حقيقية ، تم تغير الأسماء الحقيقية  تفاديا للاحراج .


    بسحنته  السمراء وسواد عينيه الحالك مع وسامه وخفة ظل وكارزما ، كان ( جان ) جميل المعشر ، دمث الخلق  جاد على الدوام ، تشعر وانت بجانبه  انك تعرفه منذ زمن   .
هذا الانطباع ، ولّيد  سفرة قصيرة بقارب  على بحيره ،  .  .

   القارب   صغير ليست بجديد ، لكنه غير متهالك ،   يتسع من ثلاثة الى خمسة اشخاص ،


.
تهادى القارب على مياه بحيرة  فانيرن  vänern وهي من أكبر بحيرات السويد والتي تقع عليها ثلاث مقاطعات ومنها مقاطعة ( دالس لاند) .

مدينة( بَنكس فوش ) Bengtsfors.

إحدى مدن هذه المقاطعه والتي يسكنها كل من( جان وعبد)  
هي مدينة هادئه  ترقد على حافة هذه البحيرة الجميلة والمترامية الأطراف وأهلها     طيبون جدا ، اما مناخها قياسا بمناخ وسط  وشمال السويد المتدني الحرارة أغلب ايام السنه  فيعتبر  افضل .

 (يوسف) من مدينة (بلنكس فوشBillingsfors  وهي مدينةتابعه لبلدية بنكسفوش  

 بتروٍِ تمايل القارب مع أمواج البحيرة الهادئه. وعلى أنغام الموسيقى  شق  طريقه بكل نعومة وسلاسة نحو منتصف البحيرة تقريبا .

   شباب وشابات وأطفال ينتعشون ببرودة مياه البحيرة في ذلك اليوم  الصيفي القائض  والنادر في مناخ السويد المعروف بطقسه البارد والممطر بصورة عامة  وبين المشمس في أحيان نادرة جدا .

  ، الشباب والشابات يتسابقون لارتداء الشورتات القصيرة لاستعراض رشاقتهم وعرض اجسامهم تحت اشعه الشمس .فما بال المدينة وفصل الصيف ببدايته ؟ 
  درجات الحرارة بارتفاع غير مسبوق   
  انها فرصة  أهل المدينه ليتمتعوا بأكبر قدر ممكن بصيف قصير جدا ، بالأخص من قبل الشابات وهم مرتدين المايوهات البكيني

   ارتأى "جان" أن يوقف القارب في عرض البحيرة للتمتع ببرودة المياه المنعشة ، والتقاط صور تذكاريه .

"جان"  سبّاح ماهر ومقتدر  لا يهاب المياه حتى الضحله منها ،  بكل ثقه غط في تلك المياه الباردة والمنعشة  ،   "عبد" و"يوسف" اللذان لايعرفان العوم نهائياً بقيا على ظهر القارب  مستمتعين بالمناظر الجميلة التي تحيط بهم، ونسمه الهواء العليل  ومنظر زوارق صغيرة تحاول مجاذيف أفرادها شق طريقهم عبر تلك المياه الهادئة وبين زوارق سريعة تحدث امواجا هادرة بمحركاتها     ..
وسفن صغيرة باشرعتها الجميلة تتمايل ذات اليمين والشمال
لم تكن في نيّة "عبد" أو "يوسف"  التمتع بتلك المياه ، رغم تعرق جسميهما من اشعة الشمس  كما أنها لم تكن ضمن خطتهم  ، ولم يتمنيا  لو انهما يعرفان  السباحة رغم اغراءات الطبيعه.

لا يعرف مالذي دفعه لقبول عرض "جان" بالنزول للمياه من اجل الانتعاش ببرودة الماء .
لم يكن نزول "يوسف" للماء خالي من القلق والخوف رغم ارتدائه ( النجاده )  سترة النجاة ،ولأنها المرة الأولى التي يجازف بها بالنزول إلى مياه بهذا العمق  
.
أحس بانتعاش في تلك المياه الصافيه وبين الضحك والمزح الممزوج بالخوف
بدأت تيارات البحيرة تأخذ "يوسف"  بعيدا عن اليخت فبدأ يستنجد "بجان" ليقربه من الزورق، بعد ان بدأ الرعب ينتابه ودقات قلبه تسابق 

بلحظة أصبح" جان " خلف "يوسف"  مباشرة ، دفعه باتجاه الزورق مهدأًً من روعه مما أشعره بأمان كبير ، فازدادت ثقة يوسف  ب"جان" اكثر .

   تيارات مياه  البحيرة تأخذ الزورق  حيثما تريد ، فيتهادا معها إلى غير هدى .  

قضى الثلاثة وقتا ممتعا وسعيد على مياه تلك البحيرة 

    قبل قرار العودة أراد "جان" أن يتحلى "يوسف"  بالشجاعة مرة ثانية وان يخوض المغامرة مرة أخرى  طالما ابدى شجاعة بالنزول في المرة الاولى

"عبد" كان مًصرّا  بقوه بعدم النزول إلى الماء مهما كانت الإغراءات   . .

 ضحكات  "يوسف" و"عبد"  لا تنقطع لتندر "عبد" ب"يوسف"  ،  وكيف قبل بعرض "جان"  وهو لايعرف السباحة نهائيا .
قال عبد ...  لو غرقت يا "يوسف" لا تنتظر مني أن اتيك بالقارب لأنني لا أعرف كيفية تشغيله  لأنني لم اقد قاربا بحياتي.

قال يوسف . سوف لن احتاجك. 

فطالما "جان" موجود انا لن أغرق.. 

  من غرفة القارب بالاسفل ،  "جان" كان قد انهى مكالمة مع خطيبته في لبنان ، 

 الابتسامة  ارتسمت على وجهه دون انقطاع بعد المكالمة .
لكنه لم يشارك "يوسف" و"عبد" ضحكتهم ونكاتهم.

بدا "جان" هذه المرة  هادءاً تماما  لايعوم كعادته  كأنه في عالم إخر غير عالمهم ، ما خلى من تلك الابتسامة الجميلة على محياه 

الضحك زاد من انتعاش "يوسف"  في ذلك المساء الجميل . وفي تلك المياه الصافية الرقراقة،
مرة اخرى بدأت التيارات تأخذ "يوسف" بعيدا عن القارب 
 دون أن يشعر  وفجأة ينتبه الى انه ابتعد عن الزورق فصاح ب"عبد" ليلقي بالحبل  كي يتشبث  به وليبقى قريباً من القارب لكن عملية القاء الحبل في الماء باءت بالفشل بعد أن أصبح يوسف أكثر بُعدا وبعد أن اخذته تيارات البحيرة  مسافة كبيرة  ، بدأ يستنجد ب"جان"  مرة ثانية ليأخذه نحو القارب

كأن "جان" لم يسمع صيحات "يوسف" ، مما زاد من رعبه ، لذا علا صوته  أكثر فأكثر  . 
.
 "جان" ساكنا تماماً ، لا يتكلم ،   ، ولم يبدي اي ردة فعل. 
ظن كل من "عبد"و"يوسف" انه يمزح ،  سوف يغوص مرة أخرى ويظهر خلف "يوسف" ليدفعه إلى قرب القارب.

ازداد رعب "يوسف" ، ليس من عدم استجابة "جان" لصيحاته  ، بل من حتمية غرقه ،  وان الوضع بات لايحتمل المزح .

بدأ "عبد" منزعجا من عدم استجابة "جان" لصراخ "يوسف"  . لكن دون جدوى
  تيارات البحيرة هذه المرة كانت قد  دفعت "يوسف" مسافه ظنها اميالا

بهدوء ، وابتسامته المعهودة  "جان" غطس كما فعل  من قبل  ،

فتنفس "يوسف" الصعداء وعاد الأمل إليه بالنجاة
هيا يا جان ...   هيا ،.... هكذا كان "يوسف" يحدث نفسه  . متأملا الخلاص من موته المحتوم .
    لكنه تأخر هذه المرة  ، "جان" لم يظهر لا خلف "يوسف"  ولا أمامه
.
طالت غطسته في الماء وبدأ الرعب ينساب إلى أعماق  "يوسف" كانسياب الظنون لاعماق يوسف بحتمية غرقه ، مالم يسرع "جان " لنجدته من جديد  .
   "يوسف" يصرخ  باعلى ما يستطيع
"عبد"     ..... اعتقد ان "جان" قد غرق ،،

لا يا رجل ...   صاح "عبد"  وهو يبتسم مستهزءأ بما قال "يوسف"  ؛ انه ماهر في السباحة وسيفاجئك  ويطفوا في اي لحظة .

كان ذلك هو أملهم المشترك.
 لحظات صعبة مرت .. هدوء ... ترقب .. قلق خوف.... 
 بارتباك صرخ  "يوسف" باعلى صوته : ١ تعال  انقذني يا "عبد"...    "جان" قد غرق... "جان" قد غرق. .... لقد ذهب "جان" يا "عبد"  ... تصرف أنقذني فأنا لا أعرف العوم.

صدمة "عبد"  جعلته كالمجنون على ضهر القارب ،  الظاهر ان جان قد غرق فعلا ،

عبد  لا يعرف من ينقذ ، هل ينقذ "يوسف"   لأنه لأيعرف السباحة ؟ ، أم ينقذ "جان" الذي قد يكون غرق فعلاً ، ؟ لكن كيف السبيل ، وهو لايعرف السباحة ، ولا كيفية تشغيل محرك القارب؟  

    "عبد" على سطح القارب  كالذي  اضاع شيء ثمين ويبحث عنه بلهفة ، يلتفت يمينا وشمالاً ويركض حول القارب وبيده الحبل عسى  أن يرى "جان " فيرمي له الحبل فينقذه ، ثم يذهب  لإنقاذ "يوسف" لأنه على الأقل يرتدي. (سترة النجاة)

"جان" لم يبدي اي اشارة للمساعدة  ، ولم تسمع منه اي كلمة تدعوهم  لليقضة أو الخوف ، او طلب النجدة ، حتى البحيرة تضامنت معه ولم تصدر اي فقاعه هواء تدلل على مكانه.

هل اصبح أيوب ثاني وابتلعه الحوت؟

 ، أم ان حورية من حوريات البحر قد اختطفته ؟ .

  ازداد بُعد "يوسف"  عن القارب كثيرا ، قد تكون عشرات الأمتار لكنه ظنها عشرات الأميال ، لشدة خوفه ، وبدأت المياه تصل مستوى فمه ، بل اصبح  قسما منها يدخل الى جوفه اثناء صراخه .
بين تيار  وآخر،  شعر يوسف  بتثاقل جسمه  وبدأ  كأنه يغوص شيئا فشيئافي تلك البحيرة .
"يوسف"   لم يترك لا نبيا ولا قديسا  الا واستنجد به  فقد  أصبح غرقه شبه محتم.
  بدأ يلوّح بيديه ل"عبد"  كي يسرع بانقاذه ، بعد ان فقد الأمل بصراخه .

 وحيداًعلى متن زورق بسيط، رجل سويدي  تجاوز الخمسين من عمره كان هو الآخر يتمتع بتلك المياه وبذلك الجو الساحر   ، لاحظ أن حركة أحدهم  ليست حركة سباح وان صوته لا يدل على المزح  ،فاتجه نحو "يوسف"  بزورقه الصغير وهو يجهد نفسه بدفع الزورق  بمجاذيفه ليقدم المساعدة ،

   كأن معجزة قد حدثت ، ولايعرف كيف  استطاع "عبد" ان يدير  محرك القارب ويأتي بأتجاه "يوسف"  .

في آن واحد اقترب القارب و الزورق من "يوسف" ; مما زاد من  قوة تيارات المياه التي دفعت "يوسف" بعيدا عن الزورق أكثر فأكثر ،
قال "الرجل العجوز" ..
 اطفيء محرك المركب وا ترك المركب يقترب  ببطء.
.
أفاق "يوسف"  على صوت "عبد" وهو يحاول تهدأته

قال "عبد" .. لقد اتصلت بالشرطة وهاهم قادمون ..

هناك  مروحية ( هليكوبتر ) تحوم فوق البحيرة

وصل زورق نجاة الشرطة النهرية المطاطي 
اقتاد أحدهم القارب نحو حافة البحيرة .

صاحت اخت "جان" بصوت متهدج ..اين "جان" ؟ 
.لم تسمع ردا من احد
صاحت مرة ثانية بصوت أعلى  كأنها عرفت مالذي حدث !
هل غرق "جان" ؟   قولوا لي .

ترك "يوسف" الأمر برمته ل "عبد"  ليوضح لها ما جرى لأنه غير قادر على الكلام اطلاقاً ، فصدمته كبيرة جداً .

بماذا يجيب؟ وماذا يقول  ؟  ، لو روى لهم ما حصل ، لن يصدق أحدا أن من لايعرف السباحة نجى والسّباح الماهر غرق ببساطة .

اقترب أحد أفراد الشرطة من "يوسف"  واحاطه ببطانية لانه كان  مبتلاً بالكامل ويرتجف كهلام في صحن ، 

"يوسف"  انتابته نوبه بكاء لا ارادية 

"عبد"  يواسي ويحكي لأخت جان ما حصل  ،


    "جان"   لازال ابتسامته تلك  راقداً في مكان ما من تلك البحيرة اللعينة، 
                  ولم يظهر إلى يومنا هذا ..........

  
  
   
        
 


الأربعاء، 29 مارس 2023

كلمات مبعثرة




 

كلمات مبعثرة

 

حين جئت اوصف عينيها
أُسِرتْ
صُدِمتْ
فتبعرثت كلماتي
وتبدد شعري
قلت حسناً فذاك ثغرها
وحين اقتربت
اشعلتني نيرانها
ورضاب شفتيها
فبت في حيرة من أمري
من أين ابدأ ؟
واين انتهي ؟
ماذا عن شعرها
بليله الأسخم
بعد أن غطى الدُّر
مكمنه ؟
وعن ثغرها الأحمر
لا ورد يدانيها ؟
فهل يقبل جيدها الأتلع
ان ابدأ بقامتها الهيفاء
حين تتهادى
مستعليه بتيه ودلال؟
دون أن ادنُ من
عطرها ؟
فاي وصف انتقي
واي العِبَرْ اختار
كي أنصف وصفها
وهي درة لا تدانيها دُرَرْ
ونسمة ملؤها العطر
وبسمة لايفارقها الثغر
ونجمة مزهوة في السهر
وقمراً صاحبة السمر
وحباً فرضه القدر
وعمرٌ يُزاحِمُ العمر
قالوا مهلا بمن تتغزل ؟
فقلت ....
أهذا هوالغزل؟
قالوا نعم
قلت....
فليكن اذا .
انها حسنائي
التي انفرد بحسنها الزمن

الاثنين، 27 فبراير 2023

من مذكرات محارب

 





 


    جلسنا نحتسي قهوتنا ونتبادل أطراف الحديث في مساء يوم مثلج نقارن طقس العراق المعتدل بطقس مشيغان البارد ، بنظرته البريئه المعروف بها مع ابتسامه ملات وجهه الذي بدات الخطوط  تحفر اخاديد تعلن عن عمق التجارب التي خاضها  والدروس او العبر التي تعلمها خلال الستون عاما التي عاشها منذ ولادته والى يومه هذا .

  ثم بادر بالقول ...


 


................

   لعلك تتذكر في نهاية النصف الأول من عام 1983 قام العدو الايراني في حزيران/ يونيو بالسيطرة على جبال گردمند وكردكو وكودوا وسرسول بعد اجتيازه قصبتي حاج عمران ورايات والمحاولات العديدة لقطعات الفيلق الاول لاسترداد ما احتله العدو ولكن وعورة المنطقة افشلت جميع المحاولات لاستعادتها وبذلك سيطر العدو على محور راوند وز - حاج عمران 

واشرف على قصبة جومان. 

قلت : نعم 

    ومضى يسرد لي هذه المغامرة التي قام بها مع رفاقه خلال الحرب العراقية الايرانية على قمة كورَدي وهو أحد الجبال الشاهقه المقابلة لجبل گردمند  


   ومضى يقول : خلال تلك الفترة وقبل تحرير كل هذه المرتفعات من قبل قطعات الجيش العراقي .

    كان الفوج 2 من لواء 38 مشاة التابع للفرقة المشاة السابعة  قد كلف باشغال إحدى جبهات جبل كورَدي ضمن قاطع حاج عمران في محافظة اربيل . 

   تحرك رتل وحدتنا من القاطع الجنوبي في جبهة البصرة وتحديدا من الفاو  إلى القاطع الشمالي بعجلاته المُحمّلة بالجنود والمعدات العسكرية .

    تَطَلّبَ ذلك اكثر من 24 ساعة من سير متواصل  لرتل وحدتنا عبر محافظاته ومدنه الممتدة على طول الطريق إلى أن وصلنا إلى محافظة اربيل . 

     كان ذلك في بداية شهر ايلول حيث كان لازال السواح يرتادون المصايف في المناطق السياحية في شمال العراق  لأعتدال درجات الحرارة في السهول والوديان في شمال العراق خلال ذلك الصيف ، واثناء عبور رتلنا إلى قاطع جبل كورَدي حيث جبهة لوائنا،  مررنا بمصيف شلال( گلي علي بك ) والگلي كلمة كردية تعني وادي يقع بين جيلين وكلي علي بك يقع بين جبلي كورك ونواذني ، وينحدر شلال كلي علي بيك من مكان مرتفع إذ يرتفع حوالي( 800) م عن مستوى سطح البحر ويبعد حوالي(130) کم عن مدينة أربيل ويعتبر من المصايف الجميلة في مدينة أربيل شمال العراق  ، ويبعد (60) كم عن مصيف شقلاوة ،  كان لايزال السواح يصطافون متمتعين بمياه الشلال الباردة ، وهم في حوض الشلال يسبحون متمتعين بتلك المناظر الطبيعية  الخلابه ، والزائر حين يشاهد تلك المناظر لايشعر بأن هذا البلد يخوض حربا طاحنة على حدوده الشرقية يذهب ضحيتها مئات الأرواح يوميا ، وذلك بفضل متانة الجبهة الداخلية . 

    ما أن اصبحنا على مشارف الجبل بطريقه الملتوي بأكثر من 90 منعطف كأنه أفعى تزحف نحو القمة ، وقبل أن نصل قمته بدئنا بفتح وانزال غطاء العجلة العسكرية ، وبدانا بفتح مناماتنا (يطغ) كما كنا نسميه ، لنلف انفسنا ببطانياتنا لنقي انفسنا من البرد القارس قبل أن نصل قمة ذلك الجبل مما أثار غضب سائق العجلة العسكرية التي تقلنا بامتعتنا إلى وجهتنا ، ظناً منه انه  سيعيد رفع الغطاء مرة ثانية، وهي عملية متعبة بالنسبة له ، غير مدرك أن قساوة البرد خارج مقطورته هو من اجبرنا على فتح غطاء عجلته وانه سوف لن يضطر مرة ثانية لرفعه   . 

   وصلنا قمم ذلك الجبل الموحش والأجرد من  أي بقعة خضراء ،  تكسوه الحجارة بقمها الناتئه، تلسعنا بين فترة واخرى  لفحات هواء بارد تكاد تقطع شرايننا لبرودتها ،  وكأننا على قمة  جبال هملايا القاسية البرودة خلال فصول السنة الأربعة لكثرة الجليد وبرودة الطقس عليها . 

    خلال فترة وجود سريتنا ( سرية الأسناد ) على ذلك الجبل دُفِعت حضيرتي المتكونة من 6 جنود وانا سابعهم  باسلحتها الخفيفة ومدفعي هاون عيار 82 ملم  للانظمام  كأسناد للسرية الأولى مشاة التي تتمركز على إحدى قمم ذلك الجبل والتي تبعد اكثر من 5كم عن مقر سريتنا. 

   تمركزنا في موقعنا المخصص بعد ان حفرنا مواضع هاوناتنا وملاجئنا لنحتمي فيها من شدة البرد اكثر من حمايتها لنا من القصف الايراني المعادي الذي لم نعد نسمع أصوات مدافعه بعد ان استطاعت قطعات جيشنا من رد هجومهم وردهم إلى اعقابهم بعد ان خابوا في سيطرتهم على تلك الجبال بقممها الشاهقة.

خلال تواجدنا في تلك المواضع ضربت تلك القمم عاصفة ثلجية  مفاجئة بحيث تحولت      المنطقة من خالية من الثلج إلى منطقة مخيفة يصعب العيش فيها لكثرة الثلج الذي تساقط    خلال ليلة واحدة فقط ، والتي كادت أن تؤدي بحياتنا ونحن نيام في تلك الملاجئ بعد ان غطت كل شيء على سطح تلك القمة.

فززت من كابوس مخيف لااتذكر تفاصيله لكنه كان كابوسا ثقيلا ظننت انها نهاية حياتي ،  لاكتشف أن جندي الحراسه(جاسم ) وهو من مدينة الثورة كما كانت تسمى انذاك واليوم تسمى بمدينة الصدر  قد غلبه النوم وان (الچولة ) وهي الوسيلة الوحيدة (للتدفئة والطبخ) قد انطفأت ليس لنفاذ وقودها ،بل لنفاذ الاوكسجين داخل الملجأ ، ناديت بصوت مسموع  جاسم   جاسم ،لكنه لم يجيب،  فقلت في في نفسي هل مات هذا الرجل ؟ بدآ الخوف ينتابني ومما زاد رعبي ان الكل نيام دون اي شخير، بالأخص( عواد ) وهو من سكنة مدينة البعاج التابعة لمحافظة الموصل. والمعروف بشخيره المزعج الذي يبدآ من بداية نومه والى لحظة استيقاظه . تحسست الچولة فإذا بها ملئ بالنفط .

 مالذي يجري؟  قلت مع نفسي ،  هناك شيء غير صحيح ، هل لازلت في كابوسي ام انها الحقيقة ؟ ناديت بصوت عالي ... شباب كعدوا راح نختنك   لكن لا احد يجيب ، ازداد خوفي  وبلحظة خارج السيطرة بدات اهز كل واحد فيهم وهو نائم واصيح باسمه بصوت عالي ،، افاق من افاق وفز جاسم كالمجنون . مابالك؟  لماذا هذا الصياح ؟ قلت شباب راح نموت وانتوا نيام . قال ابراهيم من ديلى   خير شكو شصار ؟  قلت الا تشعرون بضيق بالتنفس ؟ فانتبهوا لما اقول ثم قال عواد    بلا والله . قلت الظاهر ان الثلج قد غطى الملجاء وانسدت جميع منافذ الهواء  واوشك الاوكسجين على النفاذ 

 .لذلك قد انطفات الچولة ونتنفس بصعوبة .

صاح جاسم باعلى صوته ...( يمعودين يلي بره،  داتسمعون ترى راح نختنك ) .. لكن مامن مجيب   .

لا احد يبادر بازالة الثلوج من على الملجآ من الخارج  ، ببساطة لانه لايوجد اثر ملجآ من الخارج ، فالارض قد استوت بسبب الثلج المتراكم ،   ولأن ملجأنا محفور تحت الارض كونه ملجأ دبابه سابقا .

 نحن  نسمع صوت دبيب اقدام فوق سطح الملجأ  ، لكن لا احد يسمعنا من الخارج 

انتاب جاسم شيء من الهلع وبدا بالأرتجاف  ثم أغمى عليه وكدنا ان نفقده بسبب نقص       الأوكسجين ، وبدأ الرعب ينتابنا جميعا  واصبحنا لانعرف ماذا نفعل ؛ فحل الهرج والمرج بيننا ، فهذا من يلقي المسؤلية على الحارس جاسم وعدم التزامه بالواجب  وآخر يلقي اللوم على كيفية قبولنا بهكذا ملجأ في مثل هكذا مكان .

  صحت بصوت عال ( كافي ) خلي نفكر شلون نطلع منا ، قلت لنحاول فتح الباب مهما كانت النتائج ، فقال عواد ، سيدخل الثلج الى الداخل مما سيزيد الطين بله . قال ابراهيم ليكن ما يكن نحن بجميع الاحوال اموات  ، فتجرأت ومددت يدي لأفتح الباب ببطء شديد خوفا من انهيار الثلج داخل الملجأ ، .لكن المفاجاءة كانت ان الثلج قد اتخذ قالبا متجمد من الباب ولم ينهار . 

كان آمر الحضيرة الثانية التي تجاورنا وهي مبنية فوق الارض باكياس من الرمل ، انه لا  احد من حضيرتنا جاء اليهم ككل يوم لنجتمع على الفطور الصباحي  ، فجاء ينادي من الخارج ، لكننا لم نسمع ،  فبدا هو ومجموعته بالحفر من الخارج في حين كنا نحن ايضا  من الداخل وبحذر شديد نحاول ادخال قسم من الثلج الى داخل الملجأ الى ان تكونت فتحة في الأعلى  فدخل الهواء من خلالها ، فتنفسنا الصعداء.  

 عدنا الى جاسم الذي تطوع  ابراهيم ليجري له التنفس الصناعي بعد ان بدأ يفيق والحمد  . . لله  

.وقال.... ما اطولها عليك طلعنا من الملجأ باعجوبة ، بعد ان كنا قد فقدنا الأمل بالحياة  

 

استمرت تلك العاصفة لأيام وبدأ ينفذ منا الطعام والوقود شيئا فشيئا بسبب عدم قدرة مقر الفوج بتوزيع الارزاق على السرايا والفصائل لانقطاع خطوط الأمداد بين مقر الفوج وسراياه، 

بقينا على ذلك الحال  لأكثر من أسبوع تقريبا، حيث بدأنا بتناول فُتات الخبز المتبقي الذي لم نرمه بعد ، 

اقترحت على أعضاء حضيرتي أن يتطوع اثنان منهم لمصاحبتي مشيا على الأقدام لمحاولة جلب مؤن  تقينا الموت من الجوع والبرد ، بعد ان امتنع أمر السرية الأولى عن تزويدنا بمؤن لأن ارزاقنا على ذمة سرية الأسناد وليس على ذمته 

فرد الجميع بأن هذه المخاطرة محفوفه بخطر الموت المحتوم لأن العاصفة لازالت مستمرة ،ومن الجنون المخاطرة بالخروج من الملاجيء لساعات طويلة  خاصة بعد سماعنا عن فقدان جنود مخابرين خرجوا لأصلاح خطوط الاتصال الهاتفي ،  فقلت : وما الاختلاف اذا خرجنا لجلب المؤن أم بقينا ؟  فإن خروجنا بالعاصفة أو بقاءنا هنا هو الموت لامحال ، لكن موتنا على الطريق خير من موتنا داخل الملجأ ونحن سبعة رجال بكامل صحتنا وحيويتنا  . 

بعد اخذ ورد بالموضوع اتفقنا على  أن يخرج اربعة منا لاتمام مهمة النجاة من الموت  أحدهم سبتي من  محافظة تكريت والثاني عواد  من البعاج من محافظة نينوى والثالث من محافظة ديالى والرابع ستاره من خانقين  لمصاحبتي  في صباح اليوم التالي . 

كان الطريق  إلى مقر الفوج مرعباً  لخلوه من اي حركة لأي كائن حي، بعد ان اكتست القمم بثلج ناصع البياض ، حيث اختفت الكثير من تفاصيل التضاريس لكثرة الثلج المتراكم اضافة إلى الصمت الرهيب المرافق لبرودة الهواء  العاصف باستثناء صوت صفيرالرياح ، كأننا من متسلقي جبال الهملايا أو سكان  الاسكيمو الذيين لاتعرف ملامح وجوههم بعد تجمد  لحاياهم ورموش اعينهم  وشواربهم بالثلج المتراكم عليها ، و من كثرة البستهم وقبعاتهم المصنوعة من فرو الدببه القطبية لكن دون عدة المتسلقين ولا الزلاجات التي تجرها الكلاب .


مشينا لمسافة لا تتجاوز ال 100 متر الا أننا لم نتجرأ أن نواصل مسيرتنا ، فعدنا ادراجنا لعدم قدرتنا على التنفس لبرودة الهواء وصعوبه استنشاقه ،  ولكوننا عديمي الخبرة بالتعامل مع هذه الأجواء،  كما أنه أول تواجد لنا في طقس هكذا ومنطقة مثل هذه  نجهل خفاياها تماما،  لكون اغلبنا من وسط وجنوب العراق حيث المناخ الحار أو المعتدل في أغلب فصول السنة  

وما زاد بالطين بلّه هو أن الطريق المؤدي إلى مقر الفوج يتجه صعوداً والهواء يهب بشدة مقبلاً ، لذلك كان التعب مضاعفاً  والسير بطيئاً صعوداً وبعكس اتجاه الريح ، 


في اليوم الثاني قررت أن أذهب أنا وان أقتضى الأمر أن أكون لوحدي ، لأنه لم يعد هناك أمل بالعيش داخل ذلك الملجأ وعدم وجود أمل  بتحسن الطقس قريباً ،

لذا حزمت أمري مع استعدادي لخوض المجازفة لوحدي مهما كانت النتائج بصفتي أنا آمر تلك الحضيرة  حيث كنت حينها  (عريفا)  بثلاثة خيوط على كتفي الأيسر ، 

في صباح اليوم التالي بعد ان ارتديت ملابسي وجهزت نفسي للانطلاق وسط دهشة رفاقي لما كان لقراري مجازفة غير محسوبة النتائج المسبقة ، وفي ذات اللحظة   قرر  (سبتي ) مرافقتي  وهو من محافظة تكريت وبعد الأتكال على الله ووداع بقية أفراد الحضيرة ، لأنه من المحتمل أن لانعود ثانيةً ،  خرجنا كلانا بهمه عالية وعزيمة أقوى من يوم أمس  نحو مصير غير معروف محفوف بمخاطر لاتحمد عقباها  قد تؤدي بنا للهلاك في ذلك المكان الموحش ، ولحسن حظنا أيضا ان المكان خال من الذئاب أو الدببة أو اي حيوان مفترس . 

بصعوبة بالغة مقرونة بآلاف الأفكار المرعبة احيانا والتي تمر في مخيلتنا سرنا على ذلك الطريق المرعب دون أن يتكلم أحدنا مع الآخر.

  وصلنا تقريبا منتصف الطريق ، وبعد الإرهاق والتعب الذي نال من كلينا قال سبتي:  عريفي إلى هنا والأمر يبدو مستحيلاً دعنا نعود لنحافظ على أرواحنا ، فقلت له دون تردد ، لقد قطعنا تقريباً منتصف الطريق فالمسافة التي سنقطعها للعودة هي نفسها للوصول الى مقر الفوج ، لم لا نكمل مسيرتنا ونفوّض أمرنا لله فإن بلغنا هدفها كان خيراً،  أما ان  شاء قدرنا أن نموت هنا  ، فلا بأس ، فعلى الأقل لن يلاحقنا العار بموتنا من الجوع ونحن سبعة رجال ،

فضحك وقال اذا  لنتوكل على الله ونستمر .


قطعنا ذلك الطريق الذي يمكن أن يقطعه أي انسان بنصف ساعه إلى ساعه في الأيام العادية  مشيا على الأقدام ، اما نحن في تلك الظروف الصعبة  فقد اخذ منا اكثر من أربعة ساعات وكأنها أربعة أيام  لحين  أن بلغنا مقر الفوج  . 

دخلنا غرفة رئيس عرفاء الفوج ( نائب ضابط ياسين) وهو من منطقة سكناي واخوه الأصغر كان زميلا لي في المدرسة الابتدائية وحتى الثانوية .

وما أن رآنا حتى صرخ  وهو يقف من شدة المفاجأة وعدم تصديقه ما يرى أمامه : ماهذا ؟؟؟ هل أنتم مجانين ؟؟؟ .

كيف تجرأتما واتيتما بهذا الطقس , الا تخشون الموت؟؟ 

فقلت : أن نموت في الطريق اهون من موتنا من الجوع ونحن داخل الملجأ ،

فضحك وامر جنوده بلفنا بمزيد من البطانيات والاسراع بعمل شاي وجلب خبزا ولبناً ومربى التين وجبن گرافت ، وقال كلوا واشبعوا ثم ارتاحوا إلى يوم غد ، وغدا الله كريم .

فقلت لا يا سيدي ،لا يمكن أن نبات اليوم هنا ورفاقي هناك يتضورون جوعاً. 

فضحك وقال انت مجنون اكيد ، كيف لك أن تعود اليوم وقد قارب النهار على الانتهاء وأنتم منهكون من التعب وفي هذا الطقس السيء ؟؟

فقلت العودة ستكون هينه لاتهتم  ،

رغم محاولاته المتكررة باقناعنا بالبقاء ،الا أن اصرارنا بالعودة كان هو الغالب ، وبعد أن شبعنا واخذنا قسطا من الراحة بدأ الأستعداد للعودة  محملين بكل ما كان مخصصا لسرية الأسناد كلها بعد تقاعسهم عن المجيء لأخذ ارزاقهم ، هذا كان قرار نائب ضابط ياسين بعد مجازفتنا من اجل جلب الأرزاق .


زوّدنا نائب ضابط ياسين بقطعتي المنيوم بطول مترين نسميها عراقياً (چنكو) كانت تستخدم لتغطية سقوف الملاجئ بعد وضع كميات من التراب فوقها لتقينا شظايا القنابل والصواريخ التي كانت تطلق علينا من قبل الجيش الايراني خلال تلك الحرب.

   

وضعنا كل الأرزاق المخصصة لسرية الأسناد  من البقوليات إلى الخبز وحتى اللحوم والمعلبات على ظهر تلك الچنكوتين وربطناهما جيدا وبدانا مهمة العودة (بالكنز الثمين ) . 

          كانت مهمة العودة اسهل واسرع لثلاثة اسباب ، الأول انحدار الطريق ، والثاني اتجاه الريح المُدبِرة ، اي تاتينا من الخلف ، وثالثا سهولة انزلاق الچنكو فوق الثلج ، كنا ندفع الچنكوات بقوة فوق الثلج لتنزلق ثم نركب فوقها وقبل  تباطئها أو وقوفها كنا نعيد الكرة وكأننا فعلا من سكان الاسكيمو لكن دون كلاب الاسكيمو المخلصين ، وهي سلاله خاصة من الكلاب تعيش في المناطق الثلجية ، والتي تتميز بالقوة والشجاعة، والذكاء أيضاً كما أن لها القدرة على الدفاع عن البشر، وهي كلاب تحب العمل بجدية وبنشاط عالي وتستطيع العمل لأميال وجر العربات الخشبية بحمولة معتدلة بسرعة عبر مسافات طويلة في الثلوج بكل سهولة.،

       وصلنا أمام باب الملجأ ، وبعد أن طرقت الباب  هب رفاقنا الجنود لعناقنا غير مصدقين عودتنا بسلامة بصحبة الغنيمه. 

تلك الليلة وفي اليومين التالييبن تحولت مراود تنظيف بنادقنا إلى اشياش لشوي اللحم ( التكة ) بعد ان كنا قد حُرمنا من اللحوم لمدة اسبوعين تقريبا . 

بعد تلك المجازفة أو المغامرة  تشجعنا واعدنا الكرة ،لكن هذه المرة من أجل النفط للتدفئة ، وهذه المرة قد حصلنا على برميلين سعة 45 غالون لكل منهما ، عدنا بهما للحضيرة بدحرجتهما على الثلج  بسعادة لاتوصف ،  وكأننا نحن  من حسم أمر الحرب حتى قبل نهايتها. 

قلت:  فعلا .

وغادرنا الكافتريا بعد أن اتفقنا على لقاء آخر.

الأحد، 26 فبراير 2023




 شخابيط مُهداة لروح أُمي

أُمي عيونها الوَطن
وجْفونها لْحدود
وبجفوفها كَرَمْ النّهرين
لكُل البَشر مَمدود
بحضن أُمي دُفْو وحنيّة
ومن أيديها يدوم الجّود
وبْوَكتْ المِحَنْ
من زُودها كل أحنا نزود
أُمي خيمة
وكَلبها هو العامود
و من تنطي من حنّيَتها
تنطي بلا قيود
ومنها تعلمنا الوفا
وعلمتنا شلون عن
الحِما نذود
أُمي الروح والرية
ومن ريحتها
ترد بيَّ الرّوح
من جنت اخلّي راسي بحضنج
يا يُمه
وأنا جبير جنت أكول .... أيباااااه
شكد اني مَسعود...؟!
يُما ليش استعجلتي الرحيل؟
وخليتينا نعيش
بطرك لدموع
جا وكت الشّدة يا يُمه
المن نعود ؟
وبْرَحيلج يا يُمه
كلت خلاص السعاده
ماتت وبعد ما تعود
ومن بعدج يا يمه
ضاع الوطن
وضاع الحب
وضاع كلشي حلو
وما ظن بعد يعود
ومن فتريت ببلاد الغربه
لكيت حُبج كبلي
بكل مكان موجود
لأن حبج يا يُمّه
حُب ماله حدود