جبرانيات

جبرانيات

الأربعاء، 27 مايو 2020

الحافلة (رقم 6)

  محاولتي الأولى لكتابة القصة القصيرة

    الحافلة رقم 6 ....

في ذلك الحي الشعبي القديم ،له أصدقاء تربطه بهم ذكريات بطعم شقاوة الطفولة .
بعد عودته من آخر زيارته المعتاده لهم ، في عطله نهاية كل أسبوع ، يقف منتظرا الحافلة تحت مظلة الأنتظار سانداً ظهره على صفيح المظلة بلونه الأحمر والمملوء بأبيات شعر غزلية لنزار قباني وأمرؤ ألقيس وغيرهم مع قلوب تخترقها سِهام 💘 تنتهي بحروف انكليزيه لأسماء حبيباتهم ، و بذكريات وتواريخ المراهقين ، وبجانبه اريكة بمقعد ومسند خشبي وارجل حديدية يجلس عليها كهل في السبعينات من عمره بشعره الابيض كالثلج مرتديا بالطو رمادي غامق ذو نظارة طبية تكاد أن تهوى من مقدمة انفه ، يتكأ على عكاز بلون اسود بين رجليه بكلتا يديه التي تتدلى من احداها مسبحه كأنه يعد حباتها بتكرار ممل ومسنداً ذقنه الاشيب عليهما ، محفورة عليه نحت راس أفعى .

هو ..عيناه لاتفارق شاشة موبايله ،ألا عند قدوم الحافلات ليتاكد من خط الحافله (رقم 6 ) التي تقله إلى حي المنصور الذي يسكنه .

ذلك اليوم حدث ما لم يحدث من قبل مطلقا، حين أحس برائحه عطر نسائي قريب منه.

يبقى بسكونه دون حراك خوفاً ان يفسد حلماً طالما راوده مرارا عندما إختلس النظر على إمرأة أربعينيه ذو بشرة بيضاء و جسم ممشوق يدل على اعتناء غير عادي به ، مرتديه فستان اسود يعلو الركبتين ببضع سنتمرات، تشده عند خصرها الدقيق بحزام ابيض يتدلى راس الحزام من جانبها الأيسر ،ومن الجانب الأيمن كانت تتدلى حقيبة جلد طبيعي بعلامة ذهبية لماركة شانيل ، وتعلو فتحة الصدر المفتوحة قليلا ليضهر شيئا من مفاتن نهديها المتعجرفين ، تأطره ُ ياقةٍ بيضاء مطرزة كالتي كانت ترتديها تلميذات المدارس الأبتدائية بزيهم الرسمي في سبعينات القرن الماضي وتلتف حول عنقها بدائرة كاملة ، يتدلى فوقها قرطان ذهبيان كبيران من اذنيها كأنهما ثريتان تضيئان ليلاً بسواده الكاحل ، كما سمحت لبعض خصلات مفرقيها أن تشيب كانها مقصودة لتزيدها هيبة ووقار وشعرها الأسود المشدود إلى الخلف (كذيل حصان ) كما نسميه ، .
تقف بجانبه مقتربه منه بحيث التصق كتفها الأيمن وكتفه الأيسر ببعضهما،غير آبهه بردة فعله.

يحس بالحرج من قربها منه بهذا الشكل المُريب ،رغم انه كان يأمل أن تبقى بقربه ما تبقى من عمره كي لايُفسد حلمه هذا الذي ابتدأ للتو ، لكن ماذا لو انه فجأة ينتقل بخجل كبير إلى الجهة اليمنى مبتعدا عنها ببضع سنتمترات كي لا يجلب انتباه الآخرين إليه ،لكنه يخشى ان يفقد عطرها .
وفي ذات الوقت يخشى أن يستفزها بحركته تلك ، بعد أن تلفتت إليه بعد احساسها بشيء من الإهانة عقب ابتعاده المفاجيء عنها وهي ممسكةً بذراع نظارتها الشمسية التي تزيدها رقة واناقة بأطراف اصابع يدها اليمنى لترفعها فوق
رأسها لتظهر تحتها عينان زرقاوتان مملوءتان بريقا كأنهما كوكبان متلألئان في سماء صافية ، كما كان للزمن أيضاً بصمته برسم خطان تحت تلك العينين ، والتي تدلل على قسوة الزمن وثقله اللّعين

قائلةً : هل هناك ما ارعبك ؟

لا ابداً .

لكنها ترد بنبرة حادة لمعرفة ردة فعله عن تصرفه المزعج لها مستفسرة عن تصرف إن بدر منها اشعره بأنزعاج؟

..عسى أن يمتص غضبها ونفورها الغير مبرر على الأقل بالنسبة له.
قال مبتسماً لا والله ، بل أنا من ظن انه مصدر ازعاج لكِ ،

هل لابد أن أقسم بالله انه لايوجد أي نفور ، فقط خوفاً من ان أكون مصدر ازعاج لها؟ .

رغم أنني واثق أنها سوف لن تكون مطمئنه ولا واثقة بسهولة
وبالتاكيد ستضع
الف علامة اكس (×) أمام قسمي بالله .
لكن لا سبيل لي لأزالة هذه العلامة طالما عيوني تفضحني ودرجة حرارتي المرتفعه التي جعلت من قطرات العرق تتلألأ على جبيني .

كانت تراقبه منذ أن كان يتردد على حيّهم قبل عام تقريبا ، واعجبت به وبهندامه ووسامته فهو شاب وسيم ذو بشرة سمراء وشعر اشعت قصير غزا الشيب مفرقه بعد ان تجاوز الخامسة والأربعين من عمره بلحية خفيفه تتخللها شعرات بيضاء عند الشارب والذقن.

وهو في خضم صراعه ضمن حواره الافتراضي معها ، تبتسم بعد عاصفة الغضب ،
قائلةً : انت أُغرمت بي لكنك تخجل الأفصاح ،


متلعثماً : .... ها... ؟؟؟ لا ... لكن...

اذاً مالذي يأتي بك كل نهاية اسبوع لتقف في هذا الموقف منتظراً ؟؟ .

آتي لزيارة اصدقاء الطفولة

ولماذا من هذا الموقف بالتحديد ؟

لأنه أقرب موقف للحافلة (رقم 6) ومنه العودة للبيت .
حسناً .. أعكس الحالة وانتقل للعيش هنا فتكسب عناء مشوارك هذا ؟

هل لابد أن اقول: رغم أن مشواري هذا ليس بعناء ، بل العكس فهو يشعرني بارتياح شديد طالما أشتاق له ، لكن هذا صعب جدا ها ..؟؟

أم سأقول و بحكم عملي واقامة عائلتي .

تقاطعني بصوت مسموع : هل لك عائلة؟

نعم فزوجتي واطفالي ..... !!.

في زحمة المُترجلين من الحافلة كونها المحطة الأخيرة لهم ، وبين المزاحمين على الصعود إليها تختفي بلمح البصر بعد ان نطق كلمتي (زوجتي
واطفالي) لتنصهر بين الجموع وتختفي ، ليزول معها العطر وإلى الأبد .

اما هو فما زال ينتظر الحافلة( رقم 6 )

Astefan ...2020