قصه قصيرة
الفاتورة ..
كالمعتاد يجلس على طاولته التي اعتاد الجلوس عليها ، كل يوم تقريباً ، بنفس الزاوية قبالة الشباك المؤدي إلى ذات الشارع المزدحم بالسيارات والمارة دون هوادة ، حتى ساعات متأخرة من الليل .
كانت النافذه منفذه إلى عالم مليء بالمتناقضات.
على إشارات المرور في تقاطعات الطرق ، أطفال يتنافسون على السيارات الفارهه لبيع ما بحوزتهم من مناديل ورقيه ، أو علكه ، اوحلوى أو اي شيء آخر .
الارصفه تعج بعوائل ، منهن سافرات دون حجاب يدفعن اطفالهن بعربات مدولبه ، كأنهم في نزهه ، ومنهن بعباءاتهن السود يقُدن اطفالهن خلفهم . الى المجهول .
.
أطفال بعمر الزهور يتقافزن فرحا وهم يحملون حقائبهم الملونه على ضهورهم الطريه في طريقهم إلى المدرسه .التي لايذهبون اليها من اجل العلم والمعرفه ، إنما من اجل الحصول فيما لعد على وضيفة تعيد معنى لحياتهم التي قد تتبدد في اي لحظه.
عمال بناء ينتظرون ارزاقهم ، يهرعون لأي سيارة تقف قربهم ، بلهفة محروم من لقمه هنيه ، أو لهفة ام تستقبل ابنها القادم من جبهات القتال ، أو شوق مسجون ليوم خروجه من السجن .بعد قضاءئه فترة حكم تهمه كيديه.
، فتيات سافرات بجينزات ، وتنورات ، يعشن حياة مغلفه بوهم الحرية ، وأُخريات محجبات أو بنقاب يغطي جسمهن من أعلى رأسهن لاخمص اقدامهن . لاينعمن بنزق الحريه .
، كهول يترنحون بعكازاتهم ليعبروا الشارع من غير مناطق العبور ،كأنهم يتحدون زحام السيارات . بعد أن ياسوا من جحود أبنائهم
.
مع طبق أرز و طبق مرقة فاصوليا بيضاء (يابسة ) يعيش وليد تفاصيل ذاك الشارع بشكل شبه يومي .يتأمل من خلاله تاريخ عظمة حضارة اغدقت على العالم كل علومها ومعرفتها ، و لولاها لكانت البشريه لاتزال تعيش في كهوف ينتردال ، وكل ذلك ودون اي مقابل . وكيف امسى هذا البلد العظيم غابة تعج فيه الوحوش تنهش لحوم بعضها البعض.
.قبل أن يُلبي عامل المطعم طلبه المعتاد ، جلب انتباهه صوت مذيع نشرة الاخبار على التلفاز لإحدى القنوات الفضائية التي تعج بها شاشات التلفزة ، على خبر كان المشهد فيه لطبق يومي. وشهي لمن عاثوا، بالأرض فسادا كي لاتفوتهم وجبة الغداء مع الرسول الكريم.
لكن ما شدّ انتباهه ، صورة فتاة صغيرة تحتضن رأس امها وهي تبكي بحرقة بعد ان نثرت شظايا السيارة المفخخة جسد امها إلى أشلاء وهي مضرجة بالدماء ، بعد محاولتها أن تحمي طفلتها بكامل جسمها من شظايا السيارة المفخخة.
لتدفع الطفله بعد ذلك فاتورة حياتها قبل أن تعيشها .
أصبحت أصوات الأنفجارات التي تصدع الرؤوس وتكاد احياناً أن تصيب الاذنين بالصمم ، كاعلان لولادة موت جديد مع كل يوم جديد ، على ارصفة هذا الشارع الذي امسى مسرحا لبطولات بصمة الدوله الهمجية بإرهابييها المتلفعين بعباءة الدين ممن يتلذذون بارتشاف عوض قهوة الصباح دماء الأبرياء .
. سمع صوت امه وهي تنادي باعلى صوتها. ..وليد. .. ابني فوت جوة لأن صار قصف بالهاونات .
وهو مسرع إلى غرفة امه المقعده ، كانت شظايا القذيفة التي سقطت على سقف غرفة نوم والدته اسرع منه بكثير فمزقت حضنها قبل أن يحتمي فيه ، وحين كان الأب مسرعا ليحمي زوجته ، سقط هو الآخر على وجهه متأثراً بشضية اخترقت رأسه .
الكابوس لم يبارح لياليه التعيسه ولم يفارق أحلامه ، و يأبى إلا أن يقض مضجعه. كلما وضع راسه على وسادته متأملا فجر جديد تحمل اشعة شمسه الدفء في القلوب، ويخترق نورها بصيرة البشر بعد ان عاش ظلمة يأبى أن يفارقها بمحض ارادته
كان ذلك قبل 15 عاما ً حين كان طالباً في الصف الخامس الابتدائي
اليوم هو حمّال في علوة الخضار .
ترك ثمن الفاتورة على الطاوله ، وغادر المطعم