قصه قصيرة ... نهاية رحله نحو المجهول
كانت مدينة مالمو السويديه هي المحطه الأولى له. قبل أن يبدأ مشوار فصول حياته الجديده بعيدا عن أرض الوطن الذي يعشقه . منذ ان وطات قدماه رصيف محطة القطار ، أحس ولأول مره بالغربه الفعليه ، وحيداً بلا صديق يؤنسه ، ولا أنيس يواسيه ، غريب عن المنطقه واللغه على حد سواء . هائم على وجهه لايعرف له وجهه في تلك المدينه .
الوقت ما بعد الساعة الثامنه مساءً من يوم صافي من أوائل شهر آب ،
خريف سويدي تهب فيه نسمات رياح مسائيه بارده .
بعد غروب الشمس مباشرة . الرؤيه غير واضحة المعالم بالخارج لقلة الاضاءه و شبه انعدام حركه الماره ، وانحسار حركة المرور في مثل هذا الوقت . كما هي الحال في اغلب مدن اوربا تقريبا ..
يقترب ببطء من المقعد الخشبي الذي يشغله ثلاثه شُبان ، دون أن يتعرّف على هوياتهم ولا على ملامح وجوههم لأنه اتاهم مُدبِراً .
غادرته فكره أن يكون هؤلاء الشُبان الثلاث من جنسيات أخرى لا يجيدون العربيه .
وباللغة التي يتقنها جيدا وبدون اي مقدمات أو تردد أو خجل
قال : ( السلام عليكم )
بحركه مُوَحده التفت الثلاث صوب الصوت الذي اقتحم خلوتهم في هذه الساعه وبهذا الشكل المفاحيء ،.
وبصوت واحد وباللهجة البغداديه المعهوده .
قالوا : (وعليكُم السلام ورحمة الله وبركاته) ..
تفضل حجي أمر ؟ .خدمة .؟
للحظه ظن انه في شارع السعدون ببغداد أو شارع الدواسه بالموصل. نسي انه في احد الدول الاسكندنافيه الباردة في أغلب فصول السنة. وان الفارق الزمني والجغرافي بين الموصل والسويد كبير جدا . كما هو فارق اللغه التي لازال لايجيد نطق اي حرف من حروفها.
.
ما يأمر عليكم ظالم. اجاب: . أريد بس اغير فلوس من اليورو إلى الكرونه السويديه ، وآني هسه وصلت من الدنمارك بالقطار ، وما اعرف وين اروح بهل المُغربيه .
وصلت حجي... لا تهتم بسيطه... لاتخاف انت في بلد امين ، بهذه الكلمات حاولو ان يطمئنوه
تدلل . احنا مثل ولدك ..
قالها شاب فلسطيني من بين الشّابان الآخران. وهو من مواليد العراق .
كل واحد منهم تبرّعَ أن يهتم بأحد الأمور.
الفلسطيني: اهتم بقطع تذكره بالقطار تقله من مالو إلى مدينة كوتمبيرغ . ( يتبوري ) بالسويدي
العراقي البصراوي الآخر: اهتم بتغير العمله من اليورو الى الكرونه السويديه
اما الثالث وهو من بغداد : فقد اهتم بتبديل شريحه الموبايل من فودافون اليونانية ، إلى شريحه( براند باند 2 ) السويديه
استقل القطار إلى يتبوري على الدرجة الأولى، لأنه المكان الشاغر الوحيد على تلك الرحله .
اخر المُودّعين هو الشاب الفلسطيني المولود في العراق ، ابا ان يُغادر قبل ان يطمأن على العَم العراقي القادم من سوريا إلى عَمّان فتركيا ثم اليونان ، ومغادرة محطة القطار في الوقت المناسب وعلى القطار الصحيح نحو يتبوري بسلام وأمان ، بعد ان رفض دعواتهم المتكررة ان يبات الليله عند أحدهم، وفي صباح اليوم التالي يغادر إلى وجهته .
من مدينة يتبوري التي اكمل فيها إجراءات اللجوء بمساعدة احد معارفه من العراق سبقه. بالإقامة في السويد وهو من اعز واغلى صديق عليه و على اهل بيته . والذي لم يدّخِر جُهدا بالمُساعدة بأي شكل من الأشكال. فكان خير سند من أهل البلد .
إلى بَنكسفوش. ثم الى بِلنكسْفوش. المدينتان القريبتان من بعض ، والهادئتان اللتان تغفوان باهاليها البسطاء الطيبين بهدوء رائع على ضفاف بحيرة ( فانيرن) السويديه ، وهي من أكبر بحيرات السويد والتي يتجاوز عدد بحيراتها ال 97,000 الف بحيره .
هناك كان له قصص عن المعانات ، دامت (9 سنوات ) يبحث فيها عن أقامه، عسى ان يلتم شمله مع العائله ، لكن دون جدوى .
تخللتها ايام فرح وسعاده مع مجموعه رائعه من أوفى واجمل الأصدقاء العرب. . ( عراق ..لبنان .. سوريا .. مغرب ... جزائر ... وتونس ... ) كانوا له اروع واصدق اصدقاء لوقوفهم معه خلال مِحَنِه تلك ، وأيام تعاسه وغَمْ قضاها بين جدران غرفته الوحيده في تلك، الشقه . مع مطبخ صغير . ( ستوديو) ممزوجه ببروده قارسه. وثلوج كثيفه ، في الخارج طيلة ايام فصل الشتاء الطويل، إلى دفء نادر ورائع . ناتج عن سطوع نادر لأشعة الشمس التي تسحر ناظرها حين تنعكس صورتها اثناء شروقها أو غروبها على سطح تلك المياه الصافيه و الرقراقة ، ولتكسوا تلك الأراضي والغابات والمروج الخضراء باشعتها الذهبيه لتحولها إلى لوحات غايه في الجمال .
أقام في المستشفى لما يقارب الشهر بعد جلطه قلبيه دعته لاجراء عمليه جراحيه ( القلب المفتوح) لزراعة الشرايين ..
. كان له مع أصدقائه سفرات ، ورحلات ، بالاضافه إلى مشكال مختلفه زادت من هَمِّهِ هُمومٌ مضاعفه عاشها بمرها وحلوها متنقلا بين فرحه بخبر يُشفي ولو الشيئً النزير من جروحه وبين لوعة فراق الوطن والأهل ، وبين حنين إلتآم شمله بعائلته ، رافقته ، قبل أن تحط به الطائره التي اقلته من ستوكهولم العاصمه السويديه، الى وجهته الجديده .
ليبدأ من هناك رحله معاناة جديده .. بقلب مفتوح ...... .